عزف اليمام

تأليف وإخراج ياسر مدخلي

مقدمة لهذه التجربة..
ما سترونه من خلال قراءتكم لهذا العمل إنما هو تجسيد لخواطر انطلقت نحو بصيرتكم من عمق عاطفة لأديب ملاحظ تأثر بما حوله وأدرك كما يدرك آخرون بضرورة أن يفضي بصور حقيقية امتزجت بخياله إلى تجسيد على المنصة أمامكم.
الشخوص:
الأول ضعيف مضطرب (غير مستقر)
الثاني: مرتزق لكن ظاهره قوي.
المكان
بجوار أنقاض.. ربما لميدان وسط العاصمة.
الزمان:
زمن الحرب على الآخر.
تمهيد
رقصة رومانسية تحكي حال العالم العربي تتدرج نزولا من قمة الاعتزاز والكرامة إلى الذل والهوان والضعف.إظلام سريع تظهر فيه اليمامة بدلا عن الراقص.
إظلام

المنظر الأولي:
( الأول )كاتب يأتي للجلوس على مكتبه, يمسك بقلمه يبدأ في كتابة قصة.. إضاءته تأتي من مصباح مكتبي (تركوازي اللون).يبدأ في كتابة التالي:
أما قبل:
عجماء تعزف.. تبكي عشا خربا جراء عاصفة زرقاء فهل من أذن يلوذ إليها ذلك النحيب.
أما بعد:
لم تزل حمى الأطلال تصرع عقول عرب يقفون على عتباتها يعزفون الأنين يذكرون الحنين برغم أن بعض الأعراب يرى في الأطلال أملا لبناء أفضل.
... صوت مزيج بين غارة جوية وعويل نساء وتقارير إخبارية تنتهي بصوت لجيش جرار (يدخل الثاني).
إظلام بطيء..
يدخل الثاني: غدا سندخل العاصمة.. يقولون لي بأننا سنعتقل الكثير .. فالقائمة ملئا والعمل مضن جدا.. ولكن الأحلام تستحق ذلك.. فالحياة الكريمة هبة تنتزع.. ويسعى الكثيرون وأنا منهم وراء الهناء بها.. فهؤلاء بحوزتهم أسباب العيش السعيد ولكنهم حرموا منها منذ زمن.. واليوم لا يهمهم فقدانها بقدر ما يهمهم ذهاب من حرمهم منها.. عما قريب سنراهم يجوبون شوارع العاصمة فرحا.. سنقوم بإسعادهم.. فنحن هنا من أجلهم( يخرج ضاحكا).
إظلام
مشهد صامت
مؤثر موسيقي يصعد مع ظهور الإضاءة الخضراء على زاوية في مقهى شعبي يحتسي فيه الأول كوبا من القهوة يدخل الثاني إلى وسط المسرح حيث الإضاءة الحمراء ينظر للأول يقوم باعتقاله يتحول الجو العام إلى الأحمر لاختفاء الأخضر تدريجيا.

إظلام
مشهد صامت
التحقيق مع المعتقل بطريقة غير إنسانية.

إظلام
الأول وقد غطي وجهه محملا بالسلاسل (حمراء وزرقاء) بجوار فراشه.
الثاني: لقد مللت من صمتك, هل أنت مريض؟ هل تعاني من شيء؟ لم لا تجبني؟ لا تخف أرجوك! جئت لأرسم ابتسامة على وجهك .. منذ اعتقلت وأنت لم تنطق بكلمة.. عجيب يبدو وكأنه لا يعرف الكلام سأحاول معه المرة القادمة بمعاملة كريمة ربما تثمر. (يخرج).
إظلام سريع
الأول (على فراشه)يقوم من نومه فزعا صارخا..
الثاني آتيا من الخارج: ماذا هناك؟؟ أهذا وقت الكلام ؟؟ ظللت شهرا كاملا وأنا أحاول إقناعك بالعدول عن الصمت وألح عليك أن تتكلم ولكنك تصمت وتصمت وتصمت آلآن آن لك الكلام واستحليته؟؟ تكلم.. تكلم .. بالله عليك أن تتكلم .. قل ولو كلمة واحد أعد صرختك قل أي شيء تريد.
الأول يبكي
الثاني : لماذا تبكي؟؟ عجبي صمت وبكاء ونحيب إنك تذكرني بأيام غابرة عصور قد اندثرت تحمل ذكريات مؤلمة, برد وعري, حر وجوع, قهر وإذلال ودموع, يكفي يا هذا إنني أكرهك أيها التمثال أكرهك.. أكرهك.. أكرهك.(يرفع عن وجه الأول الغطاء) إنك تأسر نفسك في زمن الحرية.. وهذه تعد جريمة فأنت تقمع نفسك وتتجاهلها.. لقد عشت حرا منذ صغري آكل وأنام أخرج مع أصدقائي فتيانا كانو أو..
الأول: أو ماذا؟؟
الثاني: أخيرا نطقت.. إذن أن تستطيع الكلام!! لماذا لا تتكلم.. لماذا لا تتكلم دع صوتك يبلغ الاسماع ..كن حرا.
الأول: عن أي حرية تتكلم.. فالقيود كثيرة ..أدمت الأرواح بعدما سئمت منها الأجساد.. حتى الخطوات يتحكم بها من يمسك بالخيط..
الثاني: ماذا تقصد؟؟
الأول: ستظل الدمى معلقة حتى تحركها أهواء من يمتلكها..
الثاني: أفهمني أكثر!
الأول: أخاف..
الثاني:ممن تخاف
الأول:منهم..
الثاني:من هم..
الأول:منهم..
الثاني:من هم..
الأول:منهم..
الثاني:من هم..
الأول: إنهم من اغتال الحضارة واضطهد الإبداع واستسخفوا الروح واستصغروها..
الثاني: قل لي .. ماقصتك؟
الاول: لقد عشت في هذا القبو ثلاث عقود.. رضعت من أمي لبن الخوف.. وأبي آه يا أبي لقد رأيته آخر مرة وهو يسكب دمعه على خده وشاربه العريض يخفي ثغرا يكاد ينفجر من البكاء..
الثاني:لماذا كان يبكي؟؟
الأول: لنكتة قالها الرئيس.
الثاني:لنكتة كان يبكي..( يستدير)
الأول: لأنه يدرك أن الواجب عليه عدم الضحك في حضرة المبجل.
الثاني: (بتكرار يتدرج للأعلى) من أنت؟
الأول: أنا .. أنا .. أنا عينان بيضاوان.. قلب مقهور .. نفس مكبوته .. يد من خشب . قدم من طين .. جسد من زجاج..
الثاني: هذا لا يعني لي سوى أنك..
الأول: لعبة..
الثاني: في يد طفل متسلط:
الأول: متعجرف..
الثاني: الموت له..
الأول: لاتقل كلاما كهذا.. فربما كان يسمعنا..
الثاني: من؟؟
الأول: شخص ما يريد الارتقاء بإهداء رقابنا قربانا إليه..
الثاني:لم نخلق لهذا!!
الأول:خلقت ولم أجد غيره..
الثاني: لذلك أنت تخاف
الأول:دعني وشأني..
الثاني: بل حدثني عنك أكثر
الأول: لا أريد الكلام فمعظمه ممنوع..
الثاني: بعيدا عن الممنوع.. ماذا تأكل مثلا..
الأول: الجوع
الثاني بغرابة: ماذا؟؟؟
الأول: ممنوع ممنوع ممنوع
إظلام

مشهد بطيء لسقوط تمثال في وسط المسرح يضيء بعده مشهد الكاتب مرة أخرى كومضة سريعة توضع انفعالاته .
إظلام

الثاني:لقد سقط واحترق وأصبح كالجرذ كثيف الشعر. أشك أن له قرنان.(يضحك)
(يظهر من خلف الفراشه)الأول: (ببرود) وماذا بعد؟؟
الثاني: لقد عادت إليكم الحرية..
الأول: ماذا تقصد بالحرية؟؟
الثاني:الحرية هي الـ.. الحرية(يبعد السلاسل).
الأول: أهي شيء يؤكل؟
الثاني:لا
الأول:يباع
الثاني:لا
الأول:يلبس
الثاني:لا ألا تعرف الحرية إنها الـ..
الأول: ماذا؟؟
الثاني: الحرية (يحاول نزع اليمامة من يده)
الأول: دعها.. فلم أرها قط في حياتي. . ولم أشم لها عرفا.. ولم أذق لها طعما ولا أعرف لها لونا كيف بالله عليك تطلب مني معرف شيء لا أعرفه.
الثاني:إنها الحرية..
الأول:أسقطت من السماء؟؟
الثاني: لا تسقط من السماء!
الأول:إذن نبتت من الأرض؟
الثاني: تحمل منم الغباء مايكفي للتصدير!!
الأول:ومع ذلك ارتفع سعر البرميل.. تعال وارسمها بالله عليه..
الثاني : أرسمها ..كيف
الأول : بهذا.. (يلتقط قلما من جيب الثاني) يالك من جاهل..كنت أظن أنك أعلم بهذا مني.. أنظر هكذا (يرسم على الأرض وينتقل إلى الهواء راسما نخلة)
الثاني: أعرف..(يأخذ القلم من الأول)
الأول: إذن ارسمها
الثاني: لا أعرف..
الأول: لاتعرف؟؟
الثاني: أقد أنها لا ترسم على الأرض..
الأول: بعجب مفتعل, أو ترسم على السماء
الثاني: يا لك من غبي
الأول قل لي أنت يا ذكي
الثاني إنها ترسم هنا( يقوم برسم ابتسامة على وجهه) أرئيت؟؟
الأول: إذن هي النكتة.
إظلام
مشهد صامت
تعذيب المعتقل وكسر ساقيه ووجهه مغطى.
إظلام
الأول يتأوه ملقيا على مقدمة وسط المسرح وقد شل
الأول: أين ما جئت من أجله؟؟
الثاني: هذا هو..
الأول:والحرية أكانت زعما من مزاعمكم؟
الثاني:بل وهما من أوهامكم؟
الأول:وهما!؟
الثاني:لا أريد منك التفوه أبدا.
الأول: كنت معتادا على ذلك.
الثاني: ولا أريد من عينيك أن تبصر شيئا.
الأول: لقد وهبها لي الله.. أفتكفها أنت.
الثاني: لدواع أمنية.
الأول: وأين لباسي وكسائي؟؟
الثاني: خلع لدواع أمنية.(يضحك خارجا)
الأول:لدواع أمنية أفقد بصري وكرامتي وشرفي و.. (يخرج الثاني وصوت اليمامة خلفية لكلام الاول) اسمع الحياة تحمل قيمة لا يمكن أن يفقدها كل من يتنفس الهواء وله قلب ينبض والإنسان الضعيف كالسحابة البيضاء إما أمطرت أو أهلكت.. فك قيدي ودعني لمثواي كريما لا تدعني أصارع الموت مكتفا.
الثاني: (من الداخل) هل تسمعني؟
الأول: لما؟ أتريد قول نكتة ما؟؟ وهل تريد مني أن أضحك أم أبكي قهرا؟؟
الثاني يدخل) بل أريد منك أن تصمت فقط.
الأول بل سأتكلم وسأصرخ وأنادي بأعلى صوتي
الثاني: وماذا ستقول أيها المتمرد الصغير؟؟
الأول: سأقول نكتة!
الثاني: ومن أنت لكي تقولها؟
الأول: متى استعبدتم الناس وقد..
الثاني: منذ سماح كبيركم بذلك
الأول: ومن هو؟
الثاني:صاحب النكتة.. (يركله) حاول القيام إن استطعت(يخرج)
الأول: (يحاول القيام ولا يستطيع) أهذا ما كنت ترمي إليه وراء تعذيبك إياي لقد اعتدت الظلم والقيد والسجن لسنوات ولكني كنت أمشي أسير حيث أريد ومتى أردت حتى جئت لتسلب كل شيء.. حتى ما وهبنا الله جئت كسيل عرم دمر القرية الحالمة قتلتم أبي لأنه كان ضابطا وأسرتم زوجتي بلا سبب.. أمي فلتهنئي في قبرك.. لماذا أتيتم؟؟ نعم ( يتكلم بصوت مغاير وكأنه رأي شخص آخر) لقد أتوا لتحرير رقابنا وفك قيودنا وعتقنا من استعباد طاغوتنا.. (يعود بصوته المعتاد) لا فرائحة الدم مازالت تملأ المكان وتزداد تقفون وتنظرون ولا تأبهون تبا لكم لقد زججتمونا لجحيم لا يطاق..
الثاني:لقد أجبرت على هذا الجحيم.. فلم أكن أعلم أن الوضع سيسوء هكذا لقد أغرونا بالمال والمناصب قدموا لنا كل مانريد حققوا لنا كل مانحلم به ولكننا لم نكن نعلم أنهم قادونا نحو الموت والألم.. الخوف مزق قلبي فالموت أهون من الحياة مهددا..أنا مأمور يا هذا وأريد ماوعدت به.. ( يتكلم بصوت مغاير وكأنه رأي شخص آخر) نعم قد نكون خاطرنا بأنفسنا وعتينا في أرضكم وظلمناكم واستخدمنا كأداة لقمعكم (يعود بصوته المعتاد) ولكن لا فالحرب حرب ومصير البريء كالمستحق للقتل لأنكم على ذات البسيطة.
الأول: تبا لك ..أتعلم أين حتفي؟؟
الثاني:أين سيكون؟؟
الأول:دون أرضي!
الثاني:ماذا تعني؟؟
الأول:شرف لي أن أموت هنا(يضرب في الأرض).. ولكن موتك على أرضي عار وذل وحزن سيطبق على ذويك( بسخرية)خرج ولم يعد.
الثاني:عليك أن تحفظ الحد بيني وبينك.. وأعلم أنك مستجوب هنا وكل كلمة ستحسب ضدك.
الأول:مستجوب؟؟ علام ولم؟
الثاني:تفوهت بالحرية يوما!
الأول:قلت لك لم أعرفها ولن أريد معرفتها وإن كانت تعني لك شيئا فلم أنت هنا؟
الثاني: ماذا؟
الأول:اذهب وابحث عما تسأل لن تجد عندي جوابا.
الثاني:أنت تراوغ
الألو: حقي فهذا وطني.
الثاني: ماذا تقصد بوطني؟؟
الأول : لليمام منزل يضيق به ولكن حبه له يشعره وكأن السما جزء منه الحياة الكريمة شعور لا نملك حاسته.. اسمع.. عليك أن ترحل ويكفي..
الثاني:أرحل ؟ ليتني أستطيع فقد قطعت عهدا ألا أرحل حتى يأتي أمر بذلك.. لقد أقحمت نفسي في هذه الصفقة اللعينة.. صحيح أنني كنت فقيرا معدما ولكنني كنت أعيش مع اسرتي أنا آسف جدا يا زوجتي آسف يابني.
الأول:هل تفكر بالرحيل؟؟ جدير بك أن تفعل فالحياة هنا لاتطاق لمن يعشق المكان.. فكيف بمن احتله..
الثاني: أصمت.
مشهد النهاية
الكاتب على مكتبه يكتب النهاية ويطفئ المصباح

تأليف: نجاح عبد النور